بيت التصوير "هتسلمنيا"
رودي فيسنشتاين، من مجموعة هتسلمانيا

بيت التصوير "هتسلمنيا"

يبدو أنّه على مدار خمسة وأربعين عامًا من عمله كمصوّر للبلاد، زار فيسنشاتين كلّ شبرٍ في البلاد التي كانت قيد البناء، ورافق تطورها بمراحلها المهمة وأحداثها اليومية. تدلّ المفكّرات التي توثّق مجموعته الفوتوغرافية على نشاطه وعمله المتواصل منذ الثلاثينيّات وحتى السبعينيّات. يدلّ نيجاتيف الصور التي التقطها بعدسته على نظرته الثاقبة والحساسة، على تماهيه مع أبناء جيله بُناة هذه البلاد من جميع الطوائف والمجتمعات، وعلى الاحترام الذي كان يكنّه للعرب من سكان البلاد. أما ملفات التوثيق الأرشيفية، فهي تصوّر لنا عالم فيسنشتاين الذي يتمحور حول مختلف المشاريع والجهود الرامية إلى تطوير البلاد، وتكشفنا على اهتمامه الشديد بالحياة اليومية للسكان المقيمين. 

المجموعة التي تُعنى بتوثيق البلاد بدأت تتبلوّر في مطلع العام 1936، فور قدوم فيسنشتاين إلى البلاد. في حينه، كانت الهجرة الخامسة قد اقتربت من نهاية مرحلتها الأولى، ووثّق رودي فيسنشتاين بشكل سريع وفوري التطوّر الحضري المسرّع لمدينة تل-أبيب والإقامات اليهودية بأكملها، ابتداءً من ريادة الأعمال وحتى إقامة مشاريع ثقافية وعلمية كبيرة. مع اندلاع الثورة الكبرى (ثورة فلسطين) في ربيع ذلك العام، بدأ تطوير مشاريع البنى التحتية الوطنية في أماكن الإقامات اليهودية، وتم توثيق ذلك في مجموعة إنشاء ميناء تل أبيب ومحطة "ريدينغ" لتوليد الطاقة. موجة الاستيطان الزراعي الجديد موثّقة أيضًا هنا بشكل مفصّل، في إطار الأعمال التي كُلّف بها المصوّر من قبل (كيرن هيسود) والصندوق القومي اليهودي، بالإضافة إلى موجات الهجرة غير الشرعية الكبيرة (عَلياة بيت).

عن المجموعة

تكمن قيمة هذه المجموعة في تنوّع مجالات عمل المصوّر الذي كُلّف بالتصوير من قبل العديد من الجهات المهنية، مثل التصوير لمجالات الهندسة المعمارية، الأزياء والعروض الموسيقية، أو التصوير لسلطات الانتداب، الجيش البريطاني والمحاكم. بالإضافة إلى التوثيق المتواصل وواسع النطاق لمدينة تل أبيب، تميز فيسنشتاين بنظرته الفضولية تجاه البلاد بأكملها، التي زار كلّ شبر فيها، بمناظرها الطبيعية وسكانها المختلفين. شهد فيسنشتاين قيام الدولة، وصوّر الاحتفالات التالية لقرار الأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947، يليه إعلان الاستقلال. بعد ذلك، وفي أوج حرب العام 1948 (الاستقلال)، استمر في توثيق سيرورة تطوير البلاد بعدسته: الجيش الإسرائيلي، مشاريع التطوير الكبرى، الاستيطان وشقّ الطرق. لم يتجاهل الصعوبات والتحديات، فقد صوّر أيضًا استقبال القادمين الجدد على (المعابر) والصعوبات الناتجة عن سياسة التقشّف. استمر في نشاطه هذا حتى سنوات السبعينيّات. بالإضافة إلى ذلك، كان بيت التصوير "بري-أور" المكان الذي قصَدته شخصيات شهيرة من أماكن الإقامة اليهودية والدولة الفتية لالتقاط صور مميزة، ولذلك، تشمل المجموعة عددًا كبيرًا من البورتريهات المميزة.

تكمن إحدى مزايا المجموعة في أرشيفها الغني والمنظّم. يأخذنا الأرشيف في رحلة إلى المكان والزمان اللذين التقطت فيهما الصور، الأمر الذي يمكننا من تمييز أحداث، شخصيات ومواقع، ومعرفة الفترة المحددة التي التقطت فيها الصور.

اعتاد رودي فيسنشتاين القول إنّ صوره الفوتوغرافية هي توثيق لما تراه عيناه. وفي الواقع، تبرز في صوره الجميلة محبته للإنسان أيا كان، ولثقافته. انجذب بشكل خاص للمناظر الطبيعية للبلاد وتماهى مع المشروع الصهيوني بجميع جوانبه، كمشروع قومي متنوّر، عادل ومتطور، الذي يعزز أيضًا من رفاه السكان العرب في البلاد، ويصبو نحو الحياة المشتركة معهم. يكمن تميّز هذه المجموعة في توثيقها لأحداث مهمّة وأباريق صغيرة،  شخصيات شهيرة إلى جانب شخصيات نمطية كالعمال والحرفيين، المستوطنين، البرجوازيين الحضريين، أبناء الطوائف المختلفة وغيرهم، محققًا بذلك هدفه الذي يصبو نحو وصف الوجه الجميل لبوتقة الانصهار الإسرائيلية.

 

موقع هتسلمنيا (بالإنجليزية)

رودي فيسنشتاين

رودي فيسنشتاين، 1940

رودي فيسنشتاين، 1940

وُلد رودي (رودولف) فيسنشتاين في تشيكوسلوفاكيا في عام 1910. كان لدى والده مختبر تصوير يقضي فيه أوقات الفراغ. عندما كان رودي في الثامنة من عمره، نقل إليه والده "عدوى" التصوير كهواية، من ثم أهداة آلة التصوير الأولى. تحدث رودي الألمانية كلغة أم، وكانت الثقافة الأوروبية حاضرة بقوة في منزله، إلى جانب التربية الصهيونية. في عام 1928، قُبِلَ للدراسة في المعهد العالي للتصميم الجرافيكي في فيينا، حيث درس التصوير والتصميم الجرافيكي، بالإضافة إلى العلوم الإنسانية. في عام 1931، بدأ رودي مسيرته المهنية كمصور صحفي في مجلة وزارة الخارجية التشيكية في براغ، وفي المركز الأوروبي للتصوير الذي نشط في المدينة. انكشف هناك على قيمة التوثيق الأرشيفي لنيجاتيف الصور وأهمية حفظه، بعد أن كان قد تعرّف إلى هذه المجالات أثناء دراسته في فيينا.

على ضوء مظاهر اللاسامية التي واجهها أثناء دراسته في المرحلة الثانوية، تعززت لدى رودي النزعة الصهيونية التي غُرست فيه منذ الصغر. خلافًا لرغبة والديه اللذين اختارا من أجله برنامج استكمال في سويسرا في مجال الفندقة، هاجر رودي فيسنشتاين إلى أرض البلاد في عام 1935. فور وصوله إلى البلاد، بدأ فيسنشتاين بالعمل كمصوّر مستقل. وفي تل-أبيب، التقى بمريم وتزوجا لاحقًا، وقد كانت شريكته ليست فقط في تأسيس الأسرة إنّما أيضًا في تطوير مصلحته في مجال التصوير.

التقط رودي فيسنشتاين صورًا فوتوغرافية في مختلف أنحاء البلاد لخدمة مؤسسات وطنية ومشاريعها الاقتصادية المختلفة، لينضم بذلك إلى الجهود الدعائية الصهيونية خارج البلاد، والتي استندت إلى حدٍ كبير إلى التوثيق المصوّر لتطوير البيت القومي للشعب اليهودي. وثّق فيسنشتاين بعدسته الحياة اليومية في تل-أبيب وتطورّها المسرَّع بشكل شبه يومي.

في عام 1940، افتتح رودي فيسنشتاين بيت التصوير "بري-أور" عند مدخل شارع ألنبي، بقرب ميدان مغربي. لإقامة المصلحة التجارية، تعاقد مع شريكين، وبعد عدة سنوات، انفصل عن شريكيه وأصبح المالك الوحيد لبيت التصوير. على مدار أربعين سنة عمل في بيت التصوير، حرص هو ومريم طوال الوقت على إنشاء أرشيف كامل لصوره، يرافقها توثيق جارٍ في مفكرة مرتّبة. مع مرور السنين، بدأت الجهود الأساسية في بيت التصوير، الذي حافظ على مكانته في شارع ألنبي، تُحوّل من أعمال فوتوغرافية جديدة إلى تطوير الأرشيف وبيع محتويات تاريخية منه. بعد وفاة رودي في عام 1992، تابعت مريم تطوير الأرشيف لمدة 20 عامًا إضافيًا. بعد وفاتها في عام 2011، تسلّم حفيدهما زمام الأمور في بيت التصوير، الذي لم يعد له نظير منذ زمن طويل. يُعتبر بيت التصوير في الوقت الحالي نموذجًا فريدًا لحفظ الموروث العائلي والوطني على حد سواء.