الفن البوذي: مخطوطات ورسومات توضيحية رقمية متاحة عن بعد للتنزيل

الفن البوذيّ

البوذيّة اليابانيّة في المكتبة الوطنيّة

زارت إليزابيث آنا غوردن (185-1925) اليابان لأوّل مرّة عام 1891 ضمن رحلةٍ حول العالم قامت بها مع زوجها جون إدوارد غوردن (1850-1915). تركت الزيارة انطباعات طيّبة لديهما، وعند عودتهم إلى إنكلترا، انضمّا إلى الجمعيّة البريطانيّة اليابانيّة. في عام 1907، عادت إليزابيث إلى اليابان، وباستثناء زيارة قصيرة إلى وطنها حوالي عام 1916، فقد بقيت في اليابان حتّى وفاتها في كيوتو عام 1925. خلال سنواتها في كيوتو، قضت وقتها في البحث في البوذيّة اليابانيّة وفي توسيع مجموعتها من الفنّ البوذيّ.

كان لدى إليزابيث اهتمامٌ قويٌّ بالأديان، وبخاصّةٍ المسيحيّة المبكّرة والبوذيّة حيث اعتقدت بوجود روابط بينهما.. أثناء وجودها في اليابان، درست البوذيّة بحماسٍ وجمعت العديد من الكتب والأعمال الفنيّة البوذيّة. ومع ذلك، كانت السيّدة غوردن أيضًا مسيحيّةً عميقة الإيمان بالإضافة إلى كونها داعمةً قويّةً للحركة الصهيونيّة. وكانت قد تبنّت اعتقادًا شائعًا في ذلك الوقت في إنكلترا، وهو أنّ البريطانيّين من نسل سبط يهوذا، وفُتِنَت أيضًا بنظريّةٍ شاعت لدى البعض في اليابان، مفادها أنّ اليابانيّين هم الأسباط العشرة المفقودة لإسرائيل. كانت تعتقد أنّ اللقاء بين وليّ العهد اليابانيّ وبين وليّ العهد الإنكليزيّ في زمنها، سوف يؤدّي إلى لمّ شمل يهوذا وإسرائيل، وإلى العودة إلى البلاد ومجيء المسيح. ورد اسم إليزابيث آنا غوردن في سجلات التاريخ الصهيونيّ، بسبب تمويلها لمهمّة الهستدروت العمالي الصهيونيّ عام 1903 إلى منطقة بحيرة فيكتوريا في أفريقيا، لاستكشاف المنطقة من أجل الخطّة التي ستُعرَف لاحقًا بـ "خطّة أوغندا". لا شكّ أن تبرّعها بجزءٍ من مجموعتها إلى المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة ناجمٌ عن التأثير العميق لتلك المعتقدات فيها.

في عام 2012، تواصلت الدكتورة شالميت بيجارانو، الباحثة في الفنّ اليابانيّ في الجامعة العبريّة، مع المكتبة، طالبةً استعارة لوحات بوذيّة يابانيّة موجودة في مجموعتنا. كانت قد عثرتْ على إشاراتٍ إلى تلك اللوحات في كتالوج معرضٍ لفنون الشرق الأقصى أُقيمَ في متحف تل أبيب عام 1938. وبفضل طلبها، أعدنا اكتشاف مجموعة كانت منسيّة. بمجرّد لفت انتباهنا إليها، شرعنا بالتعاون مع جامعة زيورخ وجامعة هوساي في طوكيو، لرقمنة المجموعة بأكملها. تحتوي المجموعة على 139 لوحة بوذيّة والتي تمّ نسخها في الغالب عن لوحاتٍ أصليّةٍ قديمةٍ في المعابد البوذيّة اليابانيّة خلال القرن التاسع عشر للميلاد.. وبمساعدة من مؤسّسة اليابان، قامت نعمة آيزنشتاين، الخبيرة بالفنّ البوذيّ، بفهرسة اللوحات. لا تزال المجموعة قيد العمل، وسيتمّ رفعها قريبًا إلى قاعدة البيانات JBAE (الفنّ البوذيّ اليابانيّ في المجموعات الأوروبيّة) التي ترعاها جامعة هوساي في طوكيو وجامعة زيورخ. يسرّنا أن نقدّم لكم نظرة أوّليّة على المجموعة، حتّى وهي لا تزال قيد العمل.

اختارت الصور وكتبت النصوص نعمة آيزنشتاين

تمّ دعم رقمنة اللوحات وفهرستها من قبل موسّسة اليابان

كانون في فوداراكو

للعرض

للعرض

كانون (بالسنسكريتيّة: أفولكيتسفارا) هي واحدة من أشهر الآلهة في البوذيّة، والتي غالبًا ما توصَف ببوديساتفا الرحمة. كانت كانون تُعتبَر إلهًا ذكرًا في الهند، لكن يتمّ تصويرها على الأغلب كإلهةٍ أنثويّة في الصين واليابان. مصدر هذا التنوّع والتعقيد في تمثيل كانون نجده في سوترا اللوتس، حيث ورد أنّها ستأخذ 33 شكلًا مختلفًا من أجل أن تجلب الخلاص لأكبر عددٍ ممكن.

تمثّل هذه اللوحة كانون في جنّتها، الجزيرة الجبليّة في فوداراكو (بالسنسكريتيّة: بوتالاكا). كانت فوداراكو تُعتبر أرضًا نقيّةً، ولكن في الوقت ذاته كان يُعتقد أنّها موجودة في العالم البشريّ، وبالتالي فقد كانت أسهل في الوصول مقارنةً بباقي الأراضي النقيّة. يحمل أسلوب اللوحة تأثيراتٍ هنديّة، نراها في التفاصيل البارزة للرقبة وشعر الوجه اللذَيْن يميّزان الشخصيّات الذكوريّة. تنسب ملاحظةٌ مكتوبة بخطّ اليد على ظهر اللفافة هذه اللوحة إلى الرسّام وو داوزي الذي عاش في إحدى فترات حكم سلالة تانغ (618-907). على الأرجح، فإنّ هذه اللوحة نسخةٌ لاحقةٌ من العمل الأصليّ، ولكن تمّ نقل الأسلوب بشكلٍ جيّدٍ.

رويو داروما (داروما على قصبة) رسمها غودو

للعرض

للعرض

يُعتَقد أنّ داروما (بالسنسكريتيّة: بوديدارما) كان راهبًا بوذيًّا من الهند قام بنشر التأمّل في الصين في القرن السادس للميلاد، وأنّه كان مؤسّس بوذيّة الزِن (تشان في الصينيّة)، ويتمّ تبجيله بشكلٍ رئيسيّ في الصين واليابان حيث روِيَت عنه العديد من الأساطير. تعتمد الصور التي تمّ تمثيل داروما بها إلى حدٍّ كبيرٍ على شخصيّته شبه الأسطوريّة. على سبيل المثال، ونظرًا لأنّه جاء من الهند، فإنّه غالبًا ما يُصوّر كأجنبيٍّ ذي لحيةٍ كثيفةٍ مجعّدةٍ وعينين مدوّرتين، وشعر جسد.

رويو داروما هو أحد الأحداث المتعلّقة بداروما التي يشيع عادةً رسمها، حيث تُشير إلى أسطورة عبوره نهر يانغتسي على قصبةٍ واحدةٍ. يعتمد بناء اللوحة على المساحة الفارغة كي يعطي المُشاهد إحساسًا بشساعة النهر. لم يتمّ رسم أيّ أمواج، فقط الريح التي تهبّ على أكمام داروما وتحديقه بعزمٍ هما ما يشيران إلى وجهته. يُضيف ختمُ الرسام ثقلًا إلى الفراغ، حيث يشير إلى النقطة التي بدأ منها داروما عبور النهر.

رويو داروما (داروما على قصبة) صنعها فنغ ديان

للعرض

للعرض

هذا رسمٌ آخر لداروما وهو يعبر النهر على قصبة. ومع ذلك، تُضيف هذه اللوحة موضوعًا آخر يتعلّق بداروما، وهو سيكيري داروما، الذي يعني حرفيًّا "داروما بحذاءٍ واحد". تروي إحدى الأساطير أنّ داروما بعد وفاته عاد إلى الهند حافي القدمين، حاملًا فردة حذاءٍ واحدة. تمّ العثور لاحقًا على الفردة المفقودة في قبره الفارغ. هنا، تتدلّى الفردة من عصاه.

طُبِع هذا العمل على الورق باستخدام تقنيّة فرك الحجر، وهي أقدم تقنيّة طباعة معروفة في الصين واليابان. قام راهبٌ صينيّ يُدعى فنغ ديان (يُعرَف في اليابان باسم فوتِن) بصنع هذا العمل عام 1689. هذه الصورة منحوتةٌ على شاهدٍ حجريٍّ، ولا يزال ممكنًا رؤيته اليوم في متحف شيان بيلين في الصين. وبالمقارنة مع لوحة رويو داروما في الأعلى، فإنّ بناء العمل هنا يأخذ طابعًا مكثّفًا، حيث لم يتبقَ سوى فراغٍ بسيط. إنّ الجمع بين التكثيف والتعبير الشرس لِداروما، يترك انطباعًا قويًّا.

نيسو تايمِن (لقاء المؤسِّسَيْن)

للعرض

للعرض

تُصوّر هذه اللوحة اللقاء بين مؤسِّسَيْن عظيمَين في بوذيّة الأرض النقيّة: الصينيّ زيندو (بالصينيّة: شانداو، 613-681) على اليسار، وهونين (1133-1212) على اليمين. هذا اللقاء الأعجوبيّ حدث في الحلم، إذ فصلت بينهما مسافةٌ كبيرةٌ ونصف قرن، لكن تأثير زيندو على هونين كان واقعيًّا وعميقًا، فقد أسّس هونين طائفة الأرض النقيّة في اليابان (جودو-شو)، استنادًا إلى كتابات زيندو.

إنّ مشهد اللقاء بينهما في الحلم معروفٌ جيّدًا بين أتباع بوذيّة الأرض النقيّة، وقد تمّ وصفه في كتاباتٍ وتصويره في لوحاتٍ فنيّة. كان هونين يصلّي قرب النهر عندما أشرق نورٌ ساطعٌ، ظَهَرَ له من خلاله راهبٌ يطفو فوق سحابةٍ، نصف جسده العلويّ بشريٌّ، ونصفه السفليّ ذهبيٌّ. قدّم الراهب نفسه على أنّه زيندو، وأدّت المحادثة بينهما إلى تأسيس بوذيّة الأرض النقيّة في اليابان.

ماندالا الطريق الأبيض بين نهرَين

للعرض

للعرض

تجسّد هذه اللوحة موضوعًا رئيسيًّا آخر في بوذيّة الأرض النقيّة، لكنّه ممثَّلٌ هنا بطريقةٍ أقلّ شيوعًا. يعود أصل هذه الصورة إلى استعارةٍ ألّفها زيندو حيث شبّه رغبات الإنسان بنهرَين متدفّقَين، أحدهما من ماءٍ والآخر من نار، يفصلان عالمنا عن الأرض النقيّة لبوذا أميدا، وشبّه الرغبة في إعادة الولادة في الأرض النقيّة بطريقٍ أبيض يعبر بين النهرين. أصبحت استعارة زيندو موضوعًا شائعًا للرسم، ومع ذلك، فإنّ هذه النسخة المطبوعة والملوّنة باليد أكثر تعقيدًا بكثير من الرسومات الاعتياديّة.

يُظهِر القسم العلويّ من الصورة أرضًا نقيّةً مترفة، بينما يصوّر الجزء السفليّ مشاهدًا من الجحيم، بما في ذلك محكمة إنما، ربّ الجحيم وقاضيه. خُصِّصَ القسم الأوسط والرئيسيّ من الرسمة للعالم البشريّ، ويصوّر العديد من المشاهد التاريخيّة والأسطوريّة الخاصّة ببوذيّة الأرض النقيّة. يقع المشهد الرئيسيّ لعبور النهرين في الجزء العلويّ الأيسر من القسم الأوسط، حيث يظهر شخصٌ واحدٌ يرتدي ملابس بيضاء وهو يركض على الطريق باتجاه أميدا الذي يومئ إليه بيده مشجّعًا. تستند عقيدة الأرض النقيّة على وَعْدِ أميدا بأن يُنقِذ جميع المؤمنين به، ولذلك من الملائم أن يُحيط نَصُّ الوعد بهذه النسخة المطبوعة.

رسم توضيحي للصلاة إلى بوذا أميدا

للعرض

للعرض

صُمِّمَ هذا الرسم كي يساعد المؤمن على تكرار ألف صلاةٍ من أجل التضرّع لأميدا (نامو أميدا بوتسو، أو باختصار نِمبوتسو). في الوسط، تمّ رسم ثالوث أميدا: أميدا (بالسنسكريتيّة: أميتابها) في المركز، محاطًا باثنين من البوديساتفات: سيشي (بالسنسكريتيّة: ماهاستامابرابتا) على اليمين، وكانون (بالسنسكريتيّة: أفالوكيتسفارا) على اليسار. الصورة الرئيسيّة محاطة بسوترا أميدا و"علامات نيمبوتسو"، وهدف هذه العلامات أن يقوم المصلّي بتلوينها بالألوان الخمسة (الأزرق، الأصفر، الأحمر، الأبيض، الأسود) أثناء الصلاة لحساب التكرارات. بعض العلامات لا تزال فارغة، ما يدلّ أنّ هذا الرسم كان مستخدمًا بالفعل في الصلاة من قبل أحدهم.

أصبح هذا النوع من الرسومات التوضيحيّة واسع الانتشار في اليابان بعد تقديمه أوّل مرّةٍ من قبل الراهب الصينيّ من مدرسة رينزاي-زن دوكوتان شوكي (独湛性瑩، 1628-1706) الذي جاء إلى اليابان عام 1654. ومع ذلك، هناك عدّة اختلافات غير شائعةٍ في هذه النسخة، ففي معظم النُسَخ يظهر أميدا لوحده، وليس في ثالوث كما هو مرسومٌ هنا. بالإضافة إلى ذلك، يتضمّن التصميم الأصليّ مساحة فارغة فوق منصّة اللوتس التي تظهر أسفل الثالوث، وتهدف هذه المساحة أن يقوم المؤمن بكتابة أمانيه عليها، وقد تمّ رسم طفلٍ هنا يملأ هذه المساحة، وقد يكون هذا الطفل يُمثّل رغبة المؤمن في أن يُولد من جديدٍ في الأرض النقيّة، أو ربّما تمّت إضافته عندما تمّ تلوين الرسمة ليتناسب مع الذوق الفنّيّ لمالك العمل.

ماندالا غزال كاسوغا

للعرض

للعرض

يُعدّ معبد كاسوغا أحد أشهر معابد مدينة نارا، العاصمة القديمة لليابان. يقع المعبد على أطراف مدينة نارا، عند سفح جبل ميكاسا. كانت غزلان نارا تُعتَبر مقدّسةً، وتتجوّل حتّى اليوم بحريّةٍ في الجزء القديم من المدينة. ووفقًا للأسطورة، جاء الإله الرئيسيّ لمعبد كاسوغا، تاكيميكازوتشي نو ميكوتو، إلى جبل ميكاسا راكبًا غزالًا أبيض. تُعتَبر هذه الحكاية أساس ماندالات غزال كاسوغا الموجودة بأعداد كبيرة حتّى اليوم. تصوّر هذه الماندالا غزالًا يحمل شجرة ساكاكي مقدّسة على ظهره. تتدلّى مرآةٌ مستديرة، ترمز إلى الشمس، من الشجرة، وغالبًا ما تظهر فيها آلهة كاسوغا الخمسة. ومع ذلك، فإنّ الشخصيّات الخمس في هذه اللوحة ليست هي المعتاد ظهورها. في الواقع، الشخصيّة السفلى التي تظهر بمفردها هي زيندو، وهو راهبٌ بوذيٌ صينيّ لم يزر اليابان أبدًا. أمّا الشخصيّات الأربع الأخرى هي، من اليمين إلى اليسار، أميدا (بالسنسكريتيّة: أميتابها)، كانون (بالسنسكريتيّة: أفولكيتسفارا)، جيزو (بالسنسكريتيّة: كسيتيغربها)، سيشي (بالسنسكريتيّة: ماهاستامابرابتا). كانت هذه الآلهة محلّ تبجيلٍ في كاسوغا، لكنّ وجودهم معًا غير شائع. هناك احتمالٌ كبير أنّ هذه اللوحة كانت تصوّر في الأصل مرآةً بلا صورةٍ داخلها، وقد أُضيفَت إليها الشخصيّات في وقتٍ لاحق.