منطق الطير
إنَّ أحدَ أكثرِ أعمالِ الشعرِ الصوفيِّ احترامًا وأهمية في التاريخ هو العمل الضخم المسمّى ب"منطقِ الطّير"، وهو مجموعة من القصائد للشاعرِ الفارسي فريد الدين العطار والتي تعود للقرن الثالث عشر.
وُلد العطار في مدينة نيسابور في ما يُعرف اليوم بشمال شرق إيران وقضى معظم حياته في تلك المدينة. سنة ميلاده غير مؤكدة ولكن يبدو أنه بدأ حياته في وقت ما في أوائل منتصف القرن الثاني عشر و عاش حتى العقود الأولى من القرن الثالث عشر، اسمه الأصلي محمد ولقبه العطار؛ إذ يُرجح أنه انحدر من عائلة من العطارين أو الصيادلة.
منطق الطير -أي حديث الطير-هو مصطلح مأخوذّ على الأرجحٍ من القرآن الكريم من سورة النمل "وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ"1
تصّورُ كلماتِ قصيدة "منطق الطير" المفاهيم الصوفية من خلال سرد حكاية عن رحلة للطيور. تحكي القصيدة قصة اجتماع جميع طيور العالم لمناقشة من ينبغي عليهم تعيينهُ ملكًا لهم وبعد استصعابهم الأمر يبدأ الهدهد، وهو أكثر الطيور حكمةً، في التحدث مشيراً إلى أن هناكَ طائرًا عظيمًا وأسطوريًا يُدعى سيمرغ يعيشُ في أرضٍ بعيدةٍ وأن عليهم الذهابَ للعثورِ عليه لمقابلة ملكهم الحقيقي، ولكن الطريق إلى هناك ستكون صعبة ومليئة بالعديد من المخاطرِ والعقبات. ويمرُّ الطيورُ في رحلتهم بسبعةِ أوديةٍ، لكل وادٍ اسمٌ خاص به ذو دلالة. هذه الأودية هي وادي الطلب الذي هو بداية الرحلة، فيها يبدأُ سالكُ الطريقِ (أي الصوفي) بالتخلي عن متعلقاته الدنيويةِ و يسعى لطلب "الحقيقة" ،مروراً بوادي العشق حيث تتخلّى الطيورُعن عقلها وتعتنق الحب الذي يدفعها لتحمل مشاق الطريق للوصول للمحبوب (أي الله سبحانه و تعالى). أما الوادي الثالث فهو وادي المعرفة الذي فيه " يصبح كل فردٍ مبصراً قدرَ استاطعته، ثم يجد صدره في الحقيقة، وعندما يشرق سر ذاته عليه، يصبح موقدُ حَمامِ الدنيا روضةً لديه، ويرى لبَّه في دخيلته لا في جسده، كما لن يرى نفسه لحظة، حيث يرى الحبيب وحده، ومهما يرى، فسيرى وجهه على الدوام". والرابع هو "وادي الاستغناء" وهو دلالة على تخلّي الصوفي عن الذات أو الأنا. أما الوادي الخامس فهو "وادي التوحيد" الذي فيهِ يُدرك الصّوفي اتحاده مع الله. وصولًا للوادي السادس وهو "وادي الحيرة"؛ الذي يمثلُ محطةً مهمةً على الطريق حيث يشعر الصوفيُ (متمثلًا بالطيور بالقصيدة) فجأةَ بشعورٍ من عدم اليقين والشك بايمانه ومعتقداته. وحتى الوادي الأخير وهو "وادي الفقر والفناء"، والفناء هنا بالمعنى الإيجابي، فالفناءُ بشيءٍ يعني البقاء بغيره، أي فناءُ الفردِ بدنيوته وبقاء الله.
في هذه البوابة، نقدّم ثلاث مخطوطات كتبت فيها قصيدة "منطق الطير" ضمن مثنويات وأوراق فارسية صوفية متنوّعة. للمزيد، تصفحوا مخطوطات البوابة أو من خلال البحث في الشريط أعلاه.