ابن الفارض: سلطان العاشقين وشاعر صوفي من القاهرة
ديوان ابن الفارض، 1665، نسخة مصرية، مجموعة المخطوطات.

ابن الفارض

 يُعتبر ابن الفارض (1160-1235) واحدًا من أهم الشعراء والمفكرين الصوفيين في تاريخ الإسلام. وُلِدَ وعاش في مدينة القاهرة في مصر. قدمت أعماله الشعرية والصوفية رؤية عميقة لمفهوم الحب الإلهي والاتحاد مع الله، وتركت تأثيرًا عميقًا على الأدب العربي والفلسفة الصوفية.

يعني اسمه حرفيًا "ابن الذي يكتب فروض النساء على الرجال"، وهي مهنة تشبه مهنة المحاماة. ولكن في فتراتٍ لاحقة، أصبح يُشار إليه أيضًا باسم "سلطان العاشقين" بسبب مكانته العالية كَراهبٍ صوفي. كانت عائلته نسبيًا ثرية، وتلقى الشاب عمر تعليمًا شاملًا بالأخص في علوم الشريعة. وانغمس في دراسة مدرسة الشافعي في القانون الإسلامي وأصبح حكيماً في علمِ الحديث وقِصص وتقاليدِ النبيّ محمد عليه السّلام.

عاش معظم حياته في القاهرة، لكنه قضى عدة سنوات في مكة مع والده، درس فيها الشعر والحديث والتصوف. ثم عاد إلى القاهرة بعد 15 عامًا كعالم وشاعر متميز. بعد هذه الرحلة الغنية، كرس ابن الفارض بقية حياته للتدريس في جامع الأزهر الشهير في القاهرة.

سارَ ابن الفارض برفقةِ نُخبة القاهرة الثقافيةِ طوال حياته، وأصبح شاعرًا محترمًا ومشهورًا، وتزيَّنت اجتماعاته بقراءةِ الشعر وسماعه. ويُرَجّحُ بأنه كَسِبَ لقمةَ عيشهِ من خلال تعليم فنونِ الشّعرِ ورواياتِ الأحاديث العميقة. وفي سِنّ مبكرة، انجذب ابن الفارضِ لطريقِ التّصوف وتقاليدِ الصوفيين التي منها نسجَ أجملَ القصائد.

 بخلافِ الكثيرِ من أقرانهِ في عالم ِالصّوفية، الذين غالباً ما عُرِف عنهم بالفقر، كانَ ابنُ الفارِض جزءًا من النخبة الثقافية في المدينة. لكنه تَجَنَّبَ في الوقت ذاته الحياةَ السياسية، إذ لم تكن هناكَ قصائدٌ في ديوانه مكرسةٌ للزعماء السياسيين، وهو أمر كان شائعًا بين الشعراءِ الماهرين في تلك الحقبة. يبدو أنه اتبع مبدأ الصوفي الشائع بعدم التورط المباشر مع السلطة والنخبة السياسية، والتركيز بدلاً من ذلك على الزهدِ والمسار الروحي، المسارُ الذي كان جوهريًا في حياة ابن الفارض.

توفي سلطان العاشقين عن عمر يناهز الرابعة والخمسين عامًا ودفن في مقبرة القرافة عند قدم جبل المقطم، حيث كان يعتكف في شبابه. ولا يزال إرثه حاضراُ في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وخاصة في مصر؛ إذ يُحتفى به كأكثر شاعر صوفي تأثيرًا في التاريخ، ويعد ضريحه وجه حج لهم ويُحتَفَلُ سنوياً بيوم ميلاده.

على الرغم من أن هذه التجمعات أصبحت أقل شيوعًا في الوقت الحالي، إلا أنها تعكسُ الإرثَ المستدام لابن الفارض. فما زالت قصائده  تُقرأ في احتفالات المولد في مصر وتقام حلقاتُ ذكرٍ في ضريحه. تركت مؤلفاتُ ابن الفارض مكانةً بارزةً في التقاليد الأدبية الصوفية الغنية، وبخاصة ملحمته الشعرية "التائية الكبرى"، والتي تُعتبر واحدة من أبرز الإنجازات في الأدب الصوفي.