شارع يافا
يعد شارع يافا في القدس من أقدم الشوارع وأكثرها أهمية، حيث يمتد من باب الخليل في البلدة القديمة باتجاه الغرب، وكان منذ قرون طريقًا رئيسيًا يربط القدس بمدينة يافا الساحلية، التي كانت الميناء الرئيسي لفلسطين خلال الفترات العثمانية والبريطانية. هذا الامتداد جعله مسارًا أساسيًا للمسافرين والتجار، ومع مرور الزمن أصبح أحد أهم المحاور التجارية والإدارية في المدينة.
خلال العهد العثماني، كان الشارع طريقًا ترابيًا تسلكه القوافل التجارية والحجاج القادمون إلى القدس. مع توسع المدينة خارج أسوار البلدة القديمة في القرن التاسع عشر، بدأ يظهر على جانبيه عدد من المحال التجارية والفنادق والمباني الحكومية، ما عزز من مكانته كمركز اقتصادي. وبحلول أواخر العهد العثماني، كان الشارع يضم بنى تحتية حديثة نسبيًا مقارنة بباقي المدينة، حيث تم رصفه وتحسين مرافقه ليواكب حركة السكان والتجارة المتزايدة.
في فترة الانتداب البريطاني، شهد شارع يافا تطورًا كبيرًا، حيث تم تعبيده بالكامل ومد خطوط الكهرباء والإنارة فيه. كما أصبح الشارع مركزًا للأنشطة الإدارية والتجارية، واحتضن العديد من المؤسسات الحكومية والبنوك والمكاتب. كما تم تشغيل خط ترامواي عام 1918، ليكون وسيلة نقل أساسية تربط أجزاء المدينة ببعضها، مما جعل الشارع نقطة ازدحام دائمة بالحركة والنشاط. كانت تلك الفترة ذروة ازدهار شارع يافا، حيث تحوّل إلى القلب النابض للقدس الحديثة، يمر عبره السكان من مختلف الفئات لقضاء حاجاتهم اليومية، من التسوق إلى العمل والتنقل.
بعد عام 1948، ومع تقسيم القدس، تأثر الشارع بشدة نتيجة وقوعه على مقربة من خط الهدنة الذي فصل بين القسمين الشرقي والغربي للمدينة. هذا الوضع أدى إلى تراجع النشاط التجاري في بعض أجزائه، لكنه ظل جزءًا مهمًا من التخطيط الحضري للقسم الغربي، حيث استمرت المؤسسات الحكومية والاقتصادية في العمل به. ومع توحيد القدس بعد عام 1967، استعاد الشارع أهميته، وشهد مشاريع تطويرية شملت إنشاء مبانٍ جديدة وتوسعة المرافق والخدمات.
في العقود الأخيرة، شهد الشارع تحولات كبيرة، مع إدخال مشروع القطار الخفيف الذي يسير على طوله، ما جعله أكثر ملاءمة للمشاة والمواصلات العامة. كما تم تجديد بعض الأبنية التاريخية والحفاظ على طابعها المعماري، في محاولة للجمع بين الحداثة والتراث. رغم هذه التغيرات، لا يزال شارع يافا يحتفظ بأهميته كمركز اقتصادي وسياحي في القدس، حيث تصطف على جانبيه المتاجر والمطاعم والفنادق، إلى جانب الأبنية التي تحمل في طياتها تاريخ المدينة العريق.