الرامة والبعنة
الرامة والبعنة هما بلدتان عربيتان تقعان في منطقة الجليل الأعلى شمال البلاد، وتتميزان بتاريخ عريق وجذور ضاربة في عمق الحضارات القديمة التي مرت على هذه المنطقة.
تقع الرّامة على سفح جبل حيدر، وتعلو حوالي 600 متر فوق سطح البحر. تُعرف الرّامة بأشجار الزيتون المعمّرة التي يعود عمر بعضها إلى أكثر من ألفي عام، مما يجعلها من أبرز مناطق إنتاج زيت الزيتون الصافي في الجليل. تعود أصول البلدة إلى العصور القديمة، ويُعتقد أنها قد تكون "رامة عشير" المذكورة في سفر يشوع. وقد كشفت الحفريات الأثرية عن بقايا رومانية وبيزنطية، مثل الحمامات والفسيفساء وكنيسة كبيرة تعود إلى القرن الخامس، بالإضافة إلى كنيس يهودي من القرن الثالث أو الرابع الميلادي، مما يشير إلى تنوع ديني وثقافي شهدته البلدة عبر العصور. خلال العهد العثماني، كانت الرامة تابعة لناحية عكا، وبلغ عدد سكانها عام 1596 نحو 96 أسرة، جميعهم من المسلمين، عملوا في الزراعة وتربية الماشية وإنتاج الحرير. ومع نهاية القرن التاسع عشر، بدأت الرامة تبرز كمركز تعليمي في الجليل، خاصة مع افتتاح مدارس ساهمت في تعليم البنات، ومن أبرزها مدرسة الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية عام 1883. خلال الانتداب البريطاني، حظيت بحكم محلي ذاتي عام 1923. في عام 1948، لم يتم تهجير سكانها العرب، وظلت البلدة محتفظة بنسيجها الاجتماعي المتنوع من المسيحيين والدروز والمسلمين.
أما البعنة، فتقع إلى الشرق من الرامة، على ارتفاع يقارب 450 مترًا عن سطح البحر، وتعد من القرى العربية القديمة في الجليل، وتشير الوثائق إلى وجودها في العهد الصليبي. ورد ذكرها في سجلات الضرائب العثمانية عام 1596، وكان عدد سكانها آنذاك حوالي 74 أسرة، جميعهم من المسلمين. عمل سكانها في زراعة الحبوب وأشجار الزيتون، ودفعوا الضرائب على منتجاتهم الزراعية. في القرن التاسع عشر، وصفها الرحالة الأوروبيون بأنها قرية مبنية بالحجارة، محاطة بأراضٍ زراعية خصبة. تأسست فيها مدرسة ابتدائية في العهد العثماني، واستمرت في التطور خلال فترة الانتداب البريطاني. في عام 1948، بقيت البعنة أيضًا مأهولة، ولم يتعرض سكانها للتهجير، واستمرت كمجتمع زراعي محلي. شهدت البلدة توسعًا عمرانيًا بعد النكبة، وتطورت بنيتها التحتية والخدماتية.
كلتا البلدتين، الرامة والبعنة، تميزتا بتنوعهما السكاني، وحافظتا على طابعهما العربي في ظل التغيرات السياسية والإدارية التي مرت على الجليل خلال القرون الأخيرة.