كفرياسيف
كفرياسيف هي بلدة عربية تقع في الجليل الغربي، إلى الشمال الشرقي من مدينة عكا، على تلة ترتفع نحو 75 متراً عن سطح البحر. تُعد من البلدات العريقة والمعروفة تاريخياً وثقافياً، وقد أُطلق عليها في فترة الانتداب البريطاني لقب "عاصمة الجليل"، نظرًا لمكانتها المميزة بين القرى والمدن العربية في المنطقة. تأسس فيها مجلس محلي عام 1925، وهي من أوائل البلدات العربية التي نالت هذا الوضع الإداري.
تُعرف كفرياسيف بتنوعها الديني، إذ يشكل المسيحيون الغالبية من السكان، يليهم المسلمون ثم الدروز، الذين يشكلون أقلية صغيرة، لكن وجودهم بارز من خلال مقام النبي الخضر، وهو أحد المعالم الدينية المهمة في البلدة. تضم البلدة خمس كنائس، مسجدين، ومقام ديني، ما يعكس التعددية الدينية التي تمتاز بها منذ قرون. أما عن تركيبتها الاجتماعية، فتاريخياً عاش في كفرياسيف مسيحيون من طوائف متعددة مثل الروم الأرثوذكس، الكاثوليك، البروتستانت والأنجليكان، ولكل طائفة دورها في الحياة العامة والتعليم والثقافة.
تاريخ البلدة يعود إلى عصور قديمة جدًا، ويُعتقد أنها كانت قائمة في العصر الكنعاني أو الفينيقي، وهناك من يرى أنها بُنيت على أنقاض مستوطنة رومانية أو بيزنطية. موقعها الجغرافي على الطريق التجارية التي ربطت عكا بسواحل لبنان وسوريا أعطاها أهمية اقتصادية، فكانت محطة تجارية مركزية تمر بها القوافل. آثار السوق القديمة، التي يُعتقد أنها تمتد من وادي الجزازة حتى ساحة العين، ما تزال حاضرة في الذاكرة المحلية، رغم أن معظمها مدفون تحت الأرض اليوم.
شهدت كفرياسيف فترات حكم مختلفة، من الصليبيين الذين أطلقوا عليها أسماء مثل Cafresi وCapher Sin، إلى الحكم العثماني الذي كانت فيه البلدة مشهورة بزراعة الزيتون والقطن. في القرن التاسع عشر، وصفها الرحالة فيكتور جويرين بأنها بلدة مزدهرة بالسكان، أغلبهم من المسيحيين الأرثوذكس، وذكر وجود كنيسة يعود تاريخها إلى القرن الثامن عشر. كما أُسست فيها مدرسة ابتدائية في عام 1883 بجهود الإرسالية الروسية الأرثوذكسية، ما جعلها من أوائل البلدات في المنطقة التي اهتمت بالتعليم، خاصة للفتيات.
في عام 1939، تعرّضت البلدة لحريق كبير بعد عملية تفجير استهدفت قوات بريطانية في محيطها، إلا أن السلطات عادت وبنت عدداً من الأبنية منها المدرسة الابتدائية التي ما تزال قائمة حتى اليوم. بعد عام 1948، احتفظت البلدة بأغلب أراضيها وسكانها، وأصبحت مقصدًا لعدد من العائلات المهجّرة من قرى مجاورة.
عرفت كفرياسيف بدورها الريادي في الثقافة والتعليم، وتُعد من القرى العربية القليلة التي امتلكت مدرسة ثانوية في النصف الأول من القرن العشرين، وهي مدرسة يني، التي خرّجت عددًا من الشخصيات الأدبية المعروفة مثل محمود درويش وسميح القاسم. احتضنت القرية نشاطات ثقافية وفنية متعددة، وشكّلت بيئة حاضنة للفكر والفن، حيث وُلد ونشأ فيها عدد من الفنانين المعروفين مثل أمل مرقص ولبنى سلامة وسليم مخولي.
اليوم، تُعد كفرياسيف بلدة متقدمة من الناحية الاقتصادية والثقافية، تشتهر بزيتونها ومعاصرها، واهتمامها الواضح بالتعليم والفن. ورغم مساحتها المحدودة التي تبلغ نحو سبعة آلاف دونم، فإن تأثيرها الثقافي والتاريخي لا يزال ملموسًا في المنطقة، ما يجعلها واحدة من أبرز البلدات العربية في الجليل.