مجموعة بورتريهات أبراهام شفادرون
شالوم إليخم"، مجموعة صور أبراهام شفادرون"

مجموعة بورتريهات أبراهام شفادرون

تتكوّن مجموعة أبراهام شفادرون من جزئين: مجموعة الأوتوغرافات (التواقيع) ومجموعة البورتريهات. إلى جانب آلاف نماذج التواقيع والمخطوطات الأصلية، تضم مجموعة البورتيرهات نحو عشرة آلاف لوحة ذاتية مختلفة لأكثر من 3,000 شخصية يهودية. إنّها مجموعة فريدة من نوعها، وهي  مجموعة البورتريهات الأكبر في العالم لشخصيات يهودية، والتي تعتبر بمثابة "صالة عرض وطنية" لوجهاء الشعب اليهودي على مر الأجيال. كتب أبراهام شفاردون، المفكّر الذي وضع البنية التحتية لهذه المجموعة المميزة، عن دوافعه وراء جمع هذه البورتريهات:

"كما يُسعد المرء الذي يكنّ للآخرين مشاعر الإجلال، أن يكتشف أنّ صور ومخطوطات أحبائه وأعزائه في الحفظ والصون، لا بدّ أنّه سيسعد لرؤية ملامح وجوههم- وهي الآثار الأكثر شخصية والأكثر حميمية لهؤلاء العظماء- والإدراك أنّها محفوظة منذ زمن طويل، ومن أجل الأجيال القادمة"

على مدار أكثر من خمسين عامًا، دأب أبراهام شفادرون على جمع وحفظ مئات البورتريهات، أحيانًا بواسطة التوجّه مباشرة إلى الشخص الذي طلب رسم لوحة ذاتية له. في أعقاب وفاته المفاجئة في عام 1957، قررت إدارة المكتبة الوطنية متابعة تطوير المجموعة. في السنوات التي انقضت منذ ذلك الحين، أضيفت للمجموعة مئات البورتريهات، وفي الوقت الحاضر، تتابع المكتبة الوطنية جمعها وحفظها، مع الحفاظ على الطابع الأصلي للمجموعة.

على الرغم من الرغبة في إنشاء مجموعة وطنية مخصّصة لشخصيات يهودية من جميع العصور ومن أنحاء الشتات المختلفة، إلّا أنّ سيرورة التطبيق كانت محفوفة بصعوبات وتحديات كثيرة. الحظر التوراتي على صنع التماثيل والصور أدى بالعديد من اليهود على مر العصور للامتناع عن رسم بورتريهات، وابتداءً من منتصف القرن التاسع عشر، تجنّب البعض منهم أيضًا التقاط صور فوتوغرافية لأنفسهم. مع ذلك، تضم مجموعة البورتريهات هذه العديد من اللوحات الذاتية لحاخامات وشخصيات يهودية معروفة، ابتداءً من القرن السابع عشر فصاعدًا. صنعت هذه المطبوعات بواسطة مختلف تقنيات الطباعة، التي تميّز المكان والزمان اللذين صُنعت فيهما: النقش أو الطبع بالحفر، النحت على قوالب خشبية، الطباعة الحجرية وغيرها. تضم المجموعة أيضًا بعض الرسومات واللوحات الزيتية الأصلية. بطبيعة الحال، فإنّ معظم البورتريهات في المجموعة هي صور، استخدمت فيها مجموعة متنوعة جدًا من تقنيات التصوير، خاصة بالأبيض والأسود.

  منذ أكثر من سبعين عامًا، تشكّل مجموعة البورتريهات على اسم شفادرون مركز جذب لكتّاب السِير الذاتية، المعاجم والموسوعات، في جميع أنحاء العالم. عند رفع هذه المجموعة الغنية، المتنوعة والمميزة على شبكة الإنترنت، من المتوقع أن تخدم عددًا متزايدًا من القرّاء والأشخاص المهتمين، الذين يمكنهم استخدامها لإثراء المعرفة البشرية، للاستمتاع بهذا المورد الثقافي ومن أجل الأجيال القادمة.

أبراهام شفادرون (شارون)

أبراهام شفادرون

أبراهام شفادرون

هاوي الجمع القومي: أبراهام شفادرون ومجموعتا الأوتوغرافات والبورتريهات في المكتبة الوطنية

أبراهام شفادرون

يصعب حلّ لغز شخصية شفادرون: كيف اجتمعت في شخص واحد كلّ هذه التناقضات؟ كيميائي وشاعر، إيديولوجي متعنّت وملحّن مرهف الإحساس، رجل صارم وخجول – جميع هذه الصفات ميّزت الشخصية متعددة الأوجه لهذا الرجل الموهوب، ليصبح إحدى الشخصيات الأكثر حبًا للتنوّع في القدس في فترة الانتداب.

وينبثق عن هذا المزيج الشيق من الصفات والخصائل سؤال واحد تصعب الإجابة عنه: ما الذي يجعل شابًا يهوديًا، من عائلة ميسورة، تكريس حياته كلّها لجمع بورتريهات وأوتوغرافات، التبرع بمجموعاته للمكتبة الوطنية بدون أي مقابل ومتابعة سيرورة الجمع بدون قيود أو حدود، إلى أن رحل عن هذا العالم وحيدًا ومعدمًا؟

أحد الأسئة الذي طُرح كثيرًا على شفادرون كان كيف أصبح هاوي جمع. توليفة الصيغ المختلفة لإجابته ترسم لنا صورة فتى من شرق غاليسيا، ولُد لعائلة ثرية ذات باع طويل في الصناعة، وانحدر من سلالة حاخاماتية ومثقفة. عندما كان في الـ 16 من عمره، قرأ كتاب المؤرخ موشيه (موريتس) غيدمان، حيث وجد شهادة تاريخية لم يعجبه تأويلها. تجرأ الفتى شفادرون على إرسال رسالة للمفكر اليهودي الشهير واقترح تفسيرًا آخر. فوجئ شفادرون بتلقي رد على رسالته، فيه شكر وتقدير على التفسير الحاد واللاذع الذي اقترحه. امتلأت نفسه فخرًا في أعقاب الرسالة التي تلقاها، الأمر الذي دفع شفادرون إلى إرسال المزيد من الرسائل إلى مفكرين وكتّاب يهود آخرين معروفين. أخذ يتلقى مزيدًا من الرسائل من هؤلاء الكتّاب والمفكرين، إلى أن تكوّنت لديه مجموعة حقيقية، الأمر الذي دفعه للانطلاق في رحلة البحث عن رسائل، مخطوطات ونماذج لتواقيع شخصيات أخرى، اشتراها بمبالغ كبيرة.

دَفَع جمع الأوتوغرافات بشفادرون لتطوير مجموعة إضافية خاصّة به تضم بورتريهات لهذه الشخصيات الشهيرة. عندما عُلم له أنّ المتاحف والمكتبات الكبيرة في أوروبا تحتفظ بمجموعات مخطوطات وبورتريهات وطنية، استحوذت عليه الفكرة، كما أشار بعد بضع سنوات، بأنّه ملزم بتطوير مجموعة كهذه من أجل الشعب اليهودي! الابتسامة التي ترتسم على محيّانا اليوم، عندما نقرأ أقوال شفادرون المليئة بالشغف، بعيدة كل البعد عن الجدية المبهمة التي تعامل بها مع المهمة التي أخذها على عاتقه بكل إصرار.

الحرب العالمية الأولى، التي حارب خلالها شفادرون في صفوف الجيش النمساوي، عززت لديه مشاعر الصهيونية القومية. افتتاح الجامعة العبرية في القدس ودار الكتب القومية دفعه لترك مدينته وبيته والهجرة إلى البلاد، لتحقيق حلمه بتأسيس مجموعة وطنية في القدس. في عام 1927، هاجر شفادرون إلى البلاد وفي جعبته مجموعات البورتريهات والأوتوغرافات التي كانت تضم آلاف القطع الثمينة. قدّم مجموعاته للمكتبة بدون أي مقابل، واعتاش من مخصصات متواضعة تلقاها من بولندا.  وحتى اندلاع الحرب العالمية الثانية، سعى شفادرون بنشاط لشراء وإحضاء مجموعات بورتريهات ومخطوطات قيّمة من أوروبا إلى البلاج، لينقذ جزءًا كبيرًا منها من الضياع. العلاقات المتشعبة التي  أنشأها مع هواة جمع، تجار وشخصيات شهيرة في جميع أنحاء العالم ساهمت في تحقيق حلم فتى القرية من غاليسيا. أصبحت مجموعة شفادرون للأوتوغرافات والبورتريهات أكبر مجموعة في العالم لمخطوطات وبورتريهات شخصيات يهودية شهيرة. حاخامات، كتّاب، سياسيون، فنانون، علماء- يحظى جميعهم بالتمثيل في هذه المجموعة المتنوعة والغنية التي تحوي أكثر من 40,000 قطعة مختلفة. يوسف كارو وكارل ماركس، موشيه مندلسون ونفتالي هيرتس إيمبر، هرتسل وزيغموند فرويد، الشاعرة راحيل وفرانس كافكا- جميعهم جزءٌ من لوح بازل شيق يجمع بين شخصيات يهودية حُفظت مخطوطاتها وبورتريهاتها في مجموعة شفادرون.