أبو القاسم الفردوسي وشاهنامه
رستم نائم بينما حصانه راكش كان يقاتل أسدًا، تأليف توكل ب. تولاك، الهند 1756

أبو القاسم الفردوسي وشاهنامه

شاهنامه لأبي قاسم الفردوسي هي ملحمة شعريّة فارسية وجزء هام من التّراث الأدبيّ العالمي. شاهنامه، الّتي تمّ تأليفها بين 977 - 1010 للميلاد، والّتي تعني "كتاب الملوك"، تحكي قصص الأساطير والحكايات الفارسيّة القديمة. تبدأ القصيدة بخلق العالم ومآثر أبطالٍ وعهود ملوك، ومن ثمّ تأسيس الدّيانة الزّرداشتيّة وتنتهي مع هزيمة الإمبراطوريّة السّاسانيّة (تأسست عام 224) أمام المسلمين العرب وموت الملك السّاسانيّ الأخير يزدغرد الثّالث عام 651. كُتبت الشّاهنامه بقافية موزونة ورائقة. تتكوّن من 50 ألف بيت وهي من أطول الملاحم الشّعريّة في العالم؛ إذ تعد أطول من الإلياذة والأوديسة مجتمعتين.

الكثير من المواد الّتي اعتمدت عليها الأساطير المحكيّة في شاهنامه، والّتي اشتملت على أشهر قصص الأبطال والملوك أمثال جشميد وكيكاوس وسياوش ورستم، تنبع من أقدم طبقات التّراث الإيراني وخصوصًا تراث الدّيانة الزّردشتيّة. مع أنّ الفردوسي كان مسلمًا ورعًا، إلّا أنّه لم يؤلّف شاهنامه لأغراضٍ دينيّة، إنّما من أجل إعادة قصّ الماضي الإيرانيّ لأغراضٍ ثقافيّة ولغويّة على الأخصّ. كُتبت شاهنامه في عهد السّلالتين السّامانيّة والغزنويّة، والّتين اختارتا الفارسية لتكون لغة الثّقافة والبلاط الملكيّ، إلى جانب العربيّة كلسان مشترك. ولذلك فإنّ شاهنامه تعتبر خير مثال على هذه النّقلة الّتي عُرفت بالـ "نهضة الإيرانيّة"، والّتي وقعت ما بين أفول الدّولة العبّاسيّة العربيّة في بداية القرن التّاسع وصعود الأتراك السّلاجقة في القرن الحادي عشر.

لم يهدف الفردوسي من خلال إعادة إنتاجه للمرويّات القديمة ونثر التّسلسل الزّمني للملوك الإيرانيّين قبل الإسلام سوى لإحياء الحضارة الإيرانيّة. وقد نجح في ذلك إلى حدّ كبير، ولكن ليس بمفرده بالطّبع. كانت شاهنامه ولا تزال حجر الأساس للثّقافة الفارسيّة وللهويّة الإيرانيّة، وأبيات شاهنامه لا تزال تُرتّل وتُضرب بها الأمثال في شوارع طهران القرن الواحد والعشرين. حكايا مثل قتل البطل رستم لابنه عن غير قصدٍ في خضم المعركة، مكائد أفرسياب الطّوراني، اختفاء للملك كيخسرو الغامض، والمزيد من الحكايا المؤثّرة والتّراجيديّة ما زالت تُمجّد وتُفسّر وتُحكى.

في سياق الأعمال الأدبيّة على وجه التّحديد، ألهمت شاهنامه العديد من محاولات التّقليد في الفارسيّة. ولاحقًا قام مؤلّفون بتأليف ملاحم شبيهة خُصّصت لشخصيّات رئيسيّة أو ثانويّة من الملحمة الشّعريّة الأصليّة. وقام الآخرون بكتابة "كتب ملوك" مخصصّة لحكّام اللّحم والدّم. أمّا النّسخ المترجمة، فأصبح عمل الفردوسي جزءًا من الأدبيّات العالميّة الكُبرى.